المساهمات : 192 تاريخ التسجيل : 02/03/2013 العمر : 50
موضوع: كيف تنسف مؤسسة حكومية الأحد 24 مارس 2013, 16:17
طهر السوق
يعتقد الكثير من الناس أن إتلاف مؤسسة حكومية مسألة سهلة لا تتطلب أكثر من الإهمال والتسيّب، وهو اعتقاد خاطئ بتقديري. فتدمير أي مُنشأة مصمّمة لخدمة المواطن فن يحتاج إلى خطة مُحكمة لا يقدر عليها إلا كائن مدرب على الفساد والإفساد. كائن يُجيد تماماً لُعبة الخروج قبل الدخول، أي أن يمتلك دهاء الاستيلاء على مقدرات المؤسسة والإفلات من المساءلة القانونية وتفتيش ذمته المالية بعد أن يُتلفها ويفر بمكتسباته الشخصية. ينبغي أولاً دراسة عناصر القوة بالمؤسسة وأركانها التي تقوم عليها ليهدمها. حيث يبدأ بإيهام الجميع بأنه سقفها ومرجعها ورقمها الصعب، فإليه يرجع قرار تطوير المؤسسة أو نسفها. وكل ما فيها من البشر والآلات والمكاتب هي ملكيته الخاصة، لئلا يفكر أحد من العاملين بتجاوز هذا الخط المرسوم بدقة، أو مراودة نفسه بالحصول على صلاحيات إدارية، أو الإشتراك في صُنع القرار.
ولتأكيد تلك المركزية المعوّقة لأداء المؤسسة وأفرادها، يبالغ ذلك الشخص الذي تم تمليكه المؤسسة ومفاتيحها ومقدراتها في تصعيد ذاته ونفخها. فهو، حسب الدعاية المصاحبة لتعيينه، لم يحظ بهذا الشرف لولا توصيات عليا أكدت على أهليته وكفاءته واقترابه من مصادر القرار. وعليه لا بد من رسم هالة حول شخصيته الفذة، واختلاق سيرة مهنية خرافية عن منجزاته التي لا توجد إلا في الخيال، لإرعاب العاملين وتقزيمهم أمام قامته الشاهقة. وبعد رسم تلك الصورة الدعائية الزائفة بمشاركة بعض المتملقين والمنتفعين والمخدوعين، لا بد من إعادة وضع الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب، للإخلال بالأداء وإحداث حالة من الارتباك والفوضى الدائمة في كل أرجاء مؤسسته، أي العبث الأفقي والعمودي بالنظام الإداري للمؤسسة وتدمير أولوياتها. حيث يستكمل تلك المتوالية التدميرية بإشاعة جو من البغضاء الطائفية والمناطقية والمذهبية والشللية بين العاملين، من خلال آلية التقريب والتبعيد بين الأفراد، وبناء الجدران العالية ما بين العاملين لتدمير ثقتهم ببعضهم، وتفريقهم، بحيث يكون هو الوصي والحكم والمرجع. وما أن ينجح في تخريب الكيان الداخلي حتى يباشر بتصدير كل ذلك الخراب المبرمج إلى الجمهور، الذي يبدأ بالتذمر وإبداء الشكوى لوسائل الإعلام، وهو إجراء يتوقعه القائم على تدمير المؤسسة وينتظره بفارغ الصبر، ليفتح خطاً ساخناً مع الجهات العليا مطالباً بالمزيد من العطاءات والمخصصات التي لا تعود على المؤسسة وخدمة الجمهور بل تتحول إلى جيوب البطانة التي شكلها حوله وإلى حساباته البنكية بالطبع. ولأنه يعرف أهمية الإعلام يبادر إلى شراء بعض الأقلام، كما يبني علاقة نفعية مع مستويات أعلى في مؤسسات صحفية تقوم بدورها بمهمة تبييض صفحته الإدارية وذر رماد الأرقام المضللة في عيون القراء والمواطنين. حيث يواجه الجمهور برسالة إعلامية مزيفة تقوم على لعبة الإحصاءات المدبرة وفق خطة التخريب المرسومة، ومن خلال إعلانات تجارية مدفوعة. إنه لا يتوقع أي محاسبة ولا رقابة من أي جهة، ولذلك يواصل تدميره المنظم بدون أي رادع. فيما يطل على الجمهور من خلال مجلة أو نشرة إعلامية داخلية، الغرض منها تلميع صورته وتمجيد مؤسسته وتنفيع بطانته، الذين لا يصمتون عن رداءة أداء المؤسسة وحسب، بل يتحولون بقدرة قادر إلى تيار جارف لنسف المؤسسة من أساسها. ولخبرته الأكيدة بجدوى إقامة علاقات مع النخبة الاجتماعية يحول مؤسسته إلى نادٍ لخدمة أولئك بشكل استثنائي فهو لا يهتم بالجمهور، ولا بالقاع الاجتماعي، الذين يراهم كمجموعة من الحاقدين الذين لا يجيدون إلا النقد والاتهامات ولا يرون أي إيجابية لمؤسسته. فما يهمه هو هؤلاء الذين يشكلون واجهة المجتمع، ولذلك تراه دائماً في قلب الحدث الاجتماعي، يتحدث عن أهمية مؤسسته الوطنية، وإسهامها في التنمية، وحفاظها على العقيدة والتقاليد. ولا يكتفي بتعطيل مصالح الناس وتبديد المال العام، بل يجهّز بديله الذي سيخلفه ويضمن له الفرار بمنهوباته وإبطال أي محاولة لفتح ملفات تقصيره أو اختلاساته. فهذه السلالة من المسؤولين هم على درجة من الاحتراف في الفساد والإفساد. الذين يلوحون دائماً باستقالاتهم ويرددون أغنيتهم السمجة: المنصب تكليف لا تشريف