لا تحبي أحدا فالكل راحلون



بين القرار واللاقرار .. بين الشعور واللاشعور .. تقف هي. لطالما كانت قوية العزيمة ولا يثبطها شيء .. لكنها اليوم تقف في المنتصف وهي على قاب قوسين أو أقل من الإنهيار .. لكنها تتجلد بعزيمتها المزعومة وترسم ابتسامتها باحتراف كبير وهي تمنع الناظرين من سبر رآحها واكتشاف خباياها .. بالرغم من جراحها إلا أنها ما زالت الفتاة المغرورة المعتدة بنفسها التي لا يداس لها على طرف .
كعادتها كل يوم ترسم ابتسامة واسعة في النهار، لتعود لغرفتها ليلا وهي منهكة .. متعبة من الشعور .. فإن كان اللاشعور يوجع فما بالكم بالشعور !!
لطالما سألتها صديقتها " بماذا تشعرين يا رغد؟؟ " تجيبها بابتسامتها " لا شي ء يا عزيزتي لا تهتمي .. "وهي تتنهد في داخلها .. "بل أشعر وأشعر وأشعر .. أشعر بغصة في روحي يا صديقتي .. أنهكني الوجع ونضجت حد الثمالة من الألم .. أحتاجها .. أحتاج حضن أمي .. كلمات والدي .. ابتسامة رفيقة دربي .. لكنني حرمت منهم جميعا في هذه الغربة اللعينة .. "
تفتح حاسوبها .. تتجه مباشرة لبرنامج "Skype" لتحادث والديها .. أحست هذه الليلة بحزن أعمق وموحش يغزو رآحها .. حدثتها أمها عن عرس ابنة خالتها التي كانت مشغولة بالتحضير له مع خالتها .. ودعت لها مطولا أن يأتي نصيبها قريبا كي تفرح بها وتقر عينيها برؤية أحفادها .. تعلم رغد أن أمنية أمها أن تراها في بيت زوجها بعيدا عن هذه الديار الموحشة، لكنها رغما عنها تؤجل هذه الفكرة إلى أجل غير مسمى فجراحها لم تشفى تماما .. ذكرى ذلك الغريب لم تغادر ذاكرتها وهي ترتشف كل ليلة فنجان قهوتها وهي تستمع للشريط الذي أهداها إياه في عيد ميلادها السابق ... كأن جراحها لا تكفي لتدر عليها الملح كل ليلة بتقليدها الذي لا تتخلى عنه مهما كان السبب .. " هي وكوب قهوة وشريط أغانيها وذ كرياتها التي تأبى ان تندمل وهي تمزق روحها كما يمزق السكين أطراف جسدك وأنت تنظر ولكنك ترفض أن يتوقف كأنك تريد معاقبة نفسك بنفسك .. تعاقت شفافية رآحك وطهارة مشاعرك"
تتذكر تلك الليلة، عندما قاطعت حديثما الحميمي، لم تتخيل ولو للحظة أنها ستواجه هذا الموقف يوما ما ومع أعز شخصين وأقربهما لروحها .. هي وهو .. رفيقة دربها وكاتمة أسرارها وبوصلتها لبر الأمان .. حاولت تكذيب عينيها وهي ترى خيانة أقرب الاشخاص لروحها، نزعها من دوامة أفكارها حبات الأمطار المتساقطة على زجاج نافذتها، تعشق هذا الطقس لأنه يداعب أعمق نقطة من روحها، لطالما أحبت المطر لأنها تظن بأنه يطهر روح المرء وتنزعه من دوامة أفكاره ليجوب في دوامة الروح .. دوامة ينسلخ فيها الإنسان عن جسده ليلتحق بكب الروحانيين ..
تذكرت كلماره كلما فتحت موضوع الزواج .. كان دائما يجد حججا اقبح من ذنب كما يقال .. كان يقول "عزيزتي رغد .. انا لا أصلح للزواج .. وفي هذا الوقت بالذات .. لا أحب الالتزام ولا أقوى عليه"
رجل شرقي .. يستطيع أن يحب لكنه لا يقوى على المسؤولية .. هكذا كان .. لكنها لم تتوقع أن الخيانة من بين مبادئه المقدسة في الحياة .. أغمضت عينيها على وقع رسالة على هاتفها .. كانت تعلم أنه هو .. يطلب أن تسامحه ويبرر 'خيانته ' لم تبال برنة الرسالة وهي تتذكر كلمات والدتها "لا تحبي أحدا فالكل راحلون"

[/size]